اللياقة البدنية للحاج .. ثقافة غائبة
الكاتب : د. محمد النظاري
يقف حجاج بيت الله الحرام يومنا هذا السبت ٩ من ذي الحجة ١٤٤٥ه على صعيد عرفات الطاهر، في أكبر واهم منسك في الحج، فقد قال صلى الله عليه واله وصحبه وسلم الحج عرفة. ونسأل الله لهم التوفيق والقبول.
سنلسط الضوء خلال هذا المقال على أمر يغيب كثيرا عن الحجاج، والمتمثل في لياقتهم البدنية، حيث يكون كامل تركيز غالبية الحجاج على الإلمام بالقواعد الفقهية والشرعية للحج، وهو أمر مطلوب، حيث أن عدم معرفة الحاج بذلك قد يوقعه في المحظور، مما يفسد حجه.
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، ويشترط فيه الاستطاعة، ولهذا سنتطرق إلى الاستطاعة البدنية، نظرا لأهميتها كون الحاج يبذل مجهود كبير جدا في أيام معدودة، بخلاف ما اعتاد عليه في حياته اليومية.
يستوجب الحج ان يطوف ويسعى ويهرول ويرمل ويرمي ويصعد ويهبط ويقف لاوقات طويلة، وكل ذلك يعد مجهودا قويا على الشاب، فما بالنا بغالبية الحجاج من كبار السن والنساء!.
الحج يحتاج الى القوة والصحة، وغالبا ما تتوفر في الشباب، وللأسف الشديد هناك اعتقاد خاطئ لدى كثير من المسلمين بأن تأخير حجهم الى سنوات عمرهم المتقدمة، فيه ظفر بغفران أكبر قدر من الذنوب، متناسين بأن ذلك يأتي على حساب ادائهم للمناسك بيسر واستطاعة وهو الأساس الذي عليه الحج، ولهذا فإن تأخير الحج لسن متقدم، فيه عدم استغلال الحجاج لزمن شبابهم وصحتهم، ويخالفون قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ)، كون الشباب والصحة تمكنان المسلم الاكثار من الطاعة دون تعب، بعكس كبار السن والمصابين بالامراض خاصة المزمنة او المتعلقة بالعظام والركبة، ولهذا يكون غالبا عالة على مرافقيهم، مما يحرم المرافق اداء مناسكه كما يحب .
من خلال تجربتي في الحج والعمرة، رأيت كثيرا من الخالات التي يفقد فيها الحجاج قواهم، فيسقطون في وسط الزحام، وكثير منهم يتوفى من جراء دوس الأخرين عليه دون قصد، والنتيجة فقدان روح، صحيح بأن الكثير يتمنى ان يتوفاه الله في تلك البقاع الطاهرة، ولكن دون ان يكون هو المتسبب في ذلك.
ينشغل الحجاج دائما قبل سفرهم بتحضير وثائقهم وحقائبهم وكافة مستلزماتهم، ولكنهم يهملون أمر اللياقة البدنية، فلا يدخلون في برنامج بدني يسبق سفرهم، كأن يمارسوا الرياضة تدريجيا من ثلث ساعة الى ساعة كاملة يوميا، مقرونا بتمارين الإطالة للعضلات، وتقوية عضلات الساقين .
قد يقول قائل : ما معنى هذا المقال وما علاقته بالحج! وأقول : من الامور الخاطئة ان لا نقوم بربط ممارسة الرياضة بالعبادات، مما يسبب تعبا واجهادا خاصة في الحج، الذي كل عبادات بدنية، فالاكمل للحاج أن يكون قوي البدن صحيح الجسم ليستطيع الطواف والسعي ورمي الجمرات والمشي بين منى وعرفات والعودة الى مزدلفة ثم منى، فعندها تصبح الرياضة قوة بدنية وعبادة روحية لها في الحياة منافعها ولها في الآخرة ثوابها، وإلا فاته كمال أداء النسك وفق ما شرعه الله تعالى.
هل يعرف الحاج بأنه يبذل مجهودا يفوق ما يبذله لاعب كرة القدم، فاللاعب قد قطع في الملعب مسافة ١٣ كلم بينما الحاج يصل مقدار ما يقطعه سيرا ال ٣٠ كلم، ولهذا نجد بأن كثير من الحجاج يجهدون بدنيا، بسبب تدني لياقتهم البدنية، ويصاب الكثير منهم بالشد العضلي وألام في المفاصل والركبة، ولو عدنا لما يتعرض له لاعب كرة القدم، لوجدنا تشابها كبيرا في ذلك، خاصة لدى اللاعبين الذين لم يعدوا أنفسهم للمنافسة الرياضية، والحاج الغير معد نفسه بدنيا يتعرض لنفس الأعراض.
ممارسة المشي لنصف شهر قبل الحج فيه فوائد جمة للحاج، حيث أن ذلك يجعله جاهزا لاداء المجهود في أيام الحج، بعكس من لا يهتم بذلك قبل سفره، فتخونه قواه أثناء أداء المناسك.
في بعض الدول تقام دورات توعوية وتثقيفية لتمثل أداء أركان الحج، حتى يصل الحاج للمشاعر المقدسة وهو يعرف كيف يؤديها، وفي ذلك فائدة كبيرة للحجاج.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه، هل تقيم وزارات الرياضة برامج توعوية وتثقيفية للحاج في كل ما يتعلق بالمجهود البدني الذي سيبذله الحاج طيلة أيام الحج، بالتأكيد لا، ولذلك فإن الدول تشترك مع الحاج في هذا الخطأ الذي ينعكس على مردود الحج في أداء المناسك.
أردت في هذا المقال الطرق لأمر قد يراه البعض غريبا، ولكنه مهم جدا، ولا ينقص ذلك من روحانية العبادة، بل على العكس تماما؛ فكلما كان الحاج متمتعا بلياقة بدنية تتوافق ومتطلبات عبادة الحج، كلما ازداد روحانية، حيث أن الراحة البدنية تجلب الطمأنينة وتجعل الحاج يستغرق في العبادة، دون الانشغال بما يؤلمه.
نسأل الله تعالى أن يوفق الحجاج لأداء كامل مناسكهم وان يتقبل منهم كما تقبل من الصالحين وان يعيدهم إلى بلدانهم سالمين غانمين معتوقين من النار، وأن يكتب لنا ما كتبه لهم، فخزائنه لا تنفذ وجوده وكرمه لا حدود له، فهو يعطي أجر الشهادة لمن نواها واجتهد في نيلها، وإن مات على فراشه.
ونحن في هذا اليوم العظيم، فإن علينا أن نجتهد في العبادة والدعاء والذكر فقد رُوي عن النبي -صلّى الله عليه واله وصحبه وسلّم- أنّه قال: (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون مِن قَبلي: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ له الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ) ولنحرص على الدعاء للحجاج وللمسلمين في كل بقاع الأرض وخاصة في فلسطين، وإن ينصرهم بما نصر به المرسلين وأن يحفظهم بما حفظ به الذكر المبين وأن يهزم عدوهم وكل من تحالف معه من أهل الشر في الأرض أجمعين، وأن يواصل ذلك غدا قي يوم النحر وثلاثة أيام التشريق مع التكبير المقيد بعد الصلوات.
للجميع: كل عام وانتم بخير، وما أجمل هذا العيد وقد التأم شمل الأسر اليمنية بفتح الطرقات، فنسأل الله ليمننا الخير والأمان والاستقرار وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.